المقالات

دمعة

بقلم الأستاذ – محمد الرياني

الوقتُ بين العتمةِ ولحظةِ الإشراق، لم يبقَ وقتٌ كثيرٌ على الموعد الذي تخطُّ به أشعةُ الشمسِ سطورها ، عيناه المسكونتان بالوجع لاتبصران درجاتِ السلّمِ جيدًا باستثناء بعضِ الدرجاتِ التي تحتفظ بالبياض ، في الخارج تموءُ القططُ من الجوعِ بعد ليلٍ شاتٍ وسماءٍ أغرقتْ كلَّ شيءٍ حتى الستائر التي تقبعُ واقفةً خلف النوافذِ من هولِ المطرِ الذي لعبتْ به الرياح، في بطنه صريرُ جوعٍ فهو لم يذق طعامًا منذ ساعاتٍ كثيرة، نام وسط لحافه القديم نومةَ الموتى، مواءُ القططِ بسببِ الجوعِ ذكَّره بأنه جائعٌ مثله وأن هناك موعدًا سيأتي ومعه تسكتُ البطونُ المنتظرة، وعلى أحدِ الشوارعِ بدا بائعُ وجبةٍ شعبيةٍ مزدحمًا بالجوعى الذين اغتسلتْ أقدامهم بماء المطرِ وهم ذاهبون ليتحلقوا حول البائع، قدماه المرتجفتان قادتاه إلى حيث يجلس البائعُ تارةً ويقف تارةً وبعض الأيادي تقتربُ أكثرَ من القْدرِ الواسع الذي تنتظم فيه الوجبةُ الشعبيةُ كحبَّات اللؤلؤِ ليس لأخذِ شيءٍ منها بل لتدفئةِ الكفين من البردِ والجوع، الحاضرون أشفقوا عليه وقربوا منه مقعدًا قديمًا بثلاثِ قوائم كاد أن يقع به لولا أن أحدهم سانَدَه حتى استقرَّ على قوائمه الثلاث ، قدموا له شيئًا من اللقيمات المخبوزة من الدقيق، ظلَّ يأكل ويداه ترتجفان وهو يضحكُ ويشكرُ الذين قدموه على أنفسهم ، عاد ومعه كيسٌ من الورقِ بني اللونِ مثقلًا باللقيماتِ البيضاء ، وصلَ إلى درجاتِ السُّلّمِ وقد اخترقَ ضوءُ الشمس كلَّ شيء بعد انقشاع الغمام ، أصبح يرى بوضوح، ارتجفتْ يده من جديدٍ ولم يشبع بعد ، صعد أول درجتين، سقطَ الكيسُ من يده، تناثر (المطبَّقُ) كما يسميه، لم يبقَ في القرطاسِ شيء فحملَه فارغًا، ذرفتْ عيناه من قسوةِ الظروف، مسحَ دمعتَه بطرفِ القرطاسِ الذي ظهرتْ عليه بُقعُ الزيت، سرعان ماابتسم، قال لنفسه وريقُه يتناثر من فمه: لقد وجدتُ مَن يمسحُ دمعتي، احتفظَ بورقِ اللقيماتِ كي لايحتاج لمن يمسحُ دمعتَه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى