هجران

محمد الرياني
شعرتُ أنها لم تعد تحبني ، وليستْ هي التي أعرفها من نظراتها ، لقد عدنا من السفر بعد أسبوعين قضيناها في إجازة رائعة .
اعتادتْ في كلِّ حوارٍ بيننا أن تكون ملتصقةً بي تمامًا ، وعيناها تتأرجحان أمام عينيَّ وكأنهما ترقصان فرحا .
وبعد السفر تغيرتْ وتسمَّرتْ عيناها ولم يعد فيهما أثرٌ لفرح ، أو بريقٌ يلمعُ في سرور .
ابتعدتْ عني ووضعتْ وسادةً بيننا فاصلًا كي لا أجدَ دفئًا ، أونبضًا من شريانها قريبًا مني .
قلتُ في نفسي : هل هذه فوائدُ السفر ؟
هذه قطعةُ العذابِ عينها التي يقال عنها ، لقد أصابتْ قطعةُ العذابِ عينَها فامتنعَ سوادُ عينيها من الرقص ، وتصلَّبَ شريانُها .
يالهُ من سفرٍ حملنا ويلاته معنا ؛ فلم تأتِ معنا ملامحُ الخضرةِ والوجوهِ الحسنة ، ولم نجد طعمَ الماءِ الذي شربناه في النهر .
ما أعذبه من نهرٍ لعبنا فيه وشربنا ونحن نسبحُ فيه مثلَ طفلين بريئين !
وضعتُ يدي على الوسادةِ التي جعلتْها فاصلًا بيننا لأنزعها ، فلم أعتد منها مثلَ هذا الفعلِ الذي تفعله معي لأولِ مرة .
وعندما رأتْ يدي أمسكتْ بها بقوةٍ لدرجةٍ شعرتُ أنَّ نبضها قد اصطدمَ بنبضي ، وأن ثمةَ شيئًا ما يسكنني .
اتجهتْ بعينيْها نحوي فرأيتُ فيهما رقصَ الأمسِ وأن الفرحَ قد عاد من جديد ، فلم أتمالك نفسي فاقتربتُ أكثرَ وليس بيننا فاصل .
نظرتْ في وجهي وإذ بها تقول : إن عينيَّ ترقصان من الفرحِ وليس بيننا فاصل .
قالت لي والفرحُ يكسوها : لقد افتقدنا في السفرِ متعةَ الجلوسِ الذي اعتدناها في بيتنا ، صحيحٌ أننا استمتعنا في السفر ، وشربْنا من ماءِ النهر ؛ لكنَّ جلوسنا متجاوران عندما كانت عيناي ترقصان لعينيك لم تكن حاضرةً في السفر .
التصقتْ بي أكثرَ وهي تقول: ما رأيكَ في هذا المزاح ؟
أخذتُ الوسادةَ ووضعتُها على وجهها ونحن غارقان في الضحكِ كي تشمَّ على الفاصلِ رائحةَ الهجران .



