كن كعدسة المصور

واكب _صباح العنزي _طريف
في عالم مليء بالتشويش البصري والمعلومات المتدفقة بسرعة الضوء، يصبح الإنسان بحاجة ماسة إلى إعادة ضبط زاوية نظره، تمامًا كما يفعل المصور المحترف بعدسته، عندما يقرر ما يجب أن يُظهره للعالم. من هذا المنطلق، تبرز دعوة فلسفية عميقة: “كن كعدسة المصور”، لا مجازًا جماليًا فحسب، بل كنهج حياة.
عدسة المصور لا تلتقط كل ما تراه عشوائيًا، بل تختار إطارها بعناية، تعزل التفاصيل المزعجة، وتمنح التركيز لما هو جميل، مهم، أو معبّر. هذا ما يحتاجه الإنسان اليوم وسط زحام الحياة. أن يختار معاركه، أن يُحسن التركيز على الإيجابي بدل الانغماس في ضجيج السلبيات.
في عصر تتصدر فيه الصور واجهة التواصل الإنساني والاجتماعي، أصبحت العدسة لا تقتصر على جهاز التصوير، بل امتدادًا لوعي المصوّر، ولطريقة تفكيره وتعامله مع الواقع. إن زاوية الالتقاط، توقيت الضغطة، وعمق الصورة، كلها عناصر تعكس رؤية شخصية. وهكذا، فالفرد الواعي هو من يمتلك القدرة على النظر من زوايا مختلفة، وتحليل المشهد بأبعاده المختلفة، قبل أن يُصدر حكمًا أو يتبنى موقفًا.
عدسة المصور أيضًا قادرة على كشف الجمال في أماكن غير متوقعة، من زقاق مهمل إلى وجه متعب. فكم من موقف في حياتنا بدا سلبيًا في البداية، لكنه كشف لاحقًا عن دروس لا تُقدّر بثمن؟ الرؤية الحقيقية لا تحتاج إلى ضوء مثالي، بل إلى عين مدرّبة على التقاط المعنى.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار “المصور” نموذجًا للحياة المتأنية، الحياة التي لا تمر مرور العابر، بل ترصد، تلاحظ، وتحتفظ بلحظاتها، وتعيد تقديمها للعالم بشكل أجمل وأعمق.
“كن كعدسة المصور” ليست دعوة فنية، بل موقف وجودي: أن ترى بوضوح، أن تنتقي زواياك، أن تحتفظ بما يستحق، وأن تمضي دون أن تُثقل كاهلك بصور لا تليق بك (ص).