المقالات

مساحة

واكب -محمد الرياني

ربتتْ على كتفي لتسمعني حديثَ الأمسِ وهمسَ الحبِّ والعتاب، لم أشأْ أن أعذبَها أكثر ، أو أن يتشظَّى زجاجُها الوردي، كانتْ بيننا صباحاتٌ ملونةٌ كأزهارِ الربيع ، ومساءاتٌ كألوانِ ريشِ النوارسِ التي تتساقطُ عند الغروب، حركتُ عيني اليمنى ببطءٍ لأنظرَ إلى لحاظها، ابتسمتْ! قالت توقَّفْ لألتقطَ لكَ أجملَ صورة ، هذه اللحظةُ تُغنيني عن ألفِ صورةٍ وصورة ، ابتسمتُ بفرحةِ المحب، بدتْ أسناني رائعةً في نظرِها، تراجعتْ وقالت سأزيدُ صورةً أخرى، ما أعذبَ ابتسامتك، كلُّ شيءٍ فيك يبتسم ، شفتاك ، أسنانك، عيناك ، جفناك ، تقاطيع وجهك، ولا أبالغ؛ بل كلُّ شيءٍ فيكَ باسم، التفتُّ إلى الجانبِ الآخرِ فتبعتْني، قالت نصفُك الآخرُ أروع، أجبتها : أنت تبالغين، أغمضتُ عيني، ردَّتْ : حتى لو فقدتَهما فإني أراكَ أروعَ مخلوق، جلستُ على الكرسيِّ الوحيدِ الذي في الممرِّ الضيق، لايوجدُ غيرُنا في الممر، جلستْ إلى جواري، وقعتُ على الأرضِ متعمدًا لأتأكدَ من صدقِ مشاعرِها وأنا أعرفها ، رمتِ الكرسيَّ بعيدًا وافترشْنا الأرضَ نلعب بأصابعِنا كالأطفالِ على الرخامِ الأبيض، قلتُ لها تملكين قلبًا كنقاءِ هذا اللونِ تحتنا، قالت لي يا رفيقَ رحلتي : كلُّ رحلتي معكَ بيضاء ، كبياضِ القمرِ بدرًا ، وإشراقةِ الشمسِ على رؤوسِ العصافيرِ النقية ، صمتتْ ثمَّ أمسكتْ بيدي لنحلِّقَ بيدينا مثلَ العصافير ، رأينا سنابلَ بيضاءَ في الحقلِ المجاورِ وعليها طيورُ الصباح، أطلقْنا صوتًا واحدًا كي تنفرَ منا نحوَ مكانٍ آخر ، قلتُ لها ياعصفورتي الصغيرة، أجابتْني ياعصفوري الصغير ، ضحكْنا ببراءة ، قالت هل صدقتَ أننا صغار؛ لأوَّلِ مرةٍ ينتابُنا شعورٌ واحدٌ بأنَّ العمرَ لم يغيِّرْ مساحةَ بياضنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى