نِدَاء

محمد الرياني
شاهدَتْه يعبرُ الشارعَ على عَجَل، تركَ سيارتَه بعيدًا عن الازدحام، ومن عادته أنه يستمتعُ بالمشي فضلًا عن الهروبِ من الشوارعِ والمواقفِ المزدحمة، طلبتْ أن تراه عن قُرب ، اقتربَ منها أكثر، ظهرتْ لها الحقيقة، بدا عكازه أكثرَ رشاقةً وأزهى منظرًا ، انتظرَها فلم تحضر ، باغتَه رجلان لا يعرفهما بهجومٍ عنيفٍ وضربٍ بعكازه دونما سبب ، أقبلَ المارَّةُ وأكثرُهم من العُمًالِ الذين يُنظفون الشوارعَ ويجمعون النِّفاياتِ المتكدسةِ جوارَ المحلاتِ المنتظمةِ على جانبيِ الشارع، أشفقَ عليه أحدُهم وهو يصبُّ الماءَ القليلَ على جسدِه ويبدو أنه شربَ من قنينةِ الماءِ ولم يكملها عندما شاهدَ لحظةَ الاعتداء ، أومأَ إليه شاكرًا ودارتْ تمتماتٌ بين العاملِ وأصحابه وكأنهم يشكرونه على صنيعه ، نهضَ يبحثُ عن عكازه فلم يجدها، نفضَ ساقيْه من الترابِ ومن أثرِ الجراحِ ، أمسكَ بيديه اثنان لا يتذكر ملامحَهما وساعدَاه للوصولِ إلى سيارته، فتحَ أمانَ البابِ عن بعدٍ واقتربَ منه ليفتحَه فاصطدمَ به ، شعرَ بآلام حادةٍ نتيجةَ ارتطامِ رجلِه بالباب، جلسَ على مقعدِ السيارةِ ليلتقطَ أنفاسَه ، فتحَ عينيه وهو يشعرُ أنَّ جبلًا قد انزاحَ عنه ، أزالَ عن وجهِه اللِّحافَ بعدَ منامٍ عميقٍ وهو ينظرُ حوله بحثًا عن العَمَالةِ التي ساعدتْه والعصابةِ التي انهالتْ عليه وعن عُكَّازِه ، بقيَ صوتُها يَرِنُّ في أذنيْه ، استرجَعَ صوتَها الأغنَّ وهي تناديه من الجانبِ الآخرِ للشارع ، حدَّثَ نفسَه وهو في حالِ اليقظة : ليتَ العصابةَ لم تعترضْ طريقي ، تعوَّذَ ثم استدركَ وهو يشكرُ الموقف ، نظرَ إلى جوارِه فوجدَ عكازَه بجانبِه، تفقَّدَ جسدَه وليس به رضوضٌ أو خدوش، وضعَ يدَه على وسادتِه القُطنيةِ وهو يَهُمُّ بفضِّها ونزْعِ بعضِ القطنِ منها، أراد أن يَسُدَّ أذنيه من صدى الصوتِ ولا يسمعَ النداء .