( عصر الانعزال ) !!!

بقلم الكاتبة / شقراء الصامطي
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحب أن يأنس بالآخرين ويحب أن يأنس الآخرون به وهذا أمر فطري في النفس البشرية ، إلا أنه من الملاحظ أن هذا العالم الجميل بدأ يضيق شيئا فشيئا على بعض الناس، ومرد ذلك أساسا إلى الطفرة التكنولوجية الهائلة التي انتشرت في العالم أخيرا، ومعها بدأت الفجوة النفسية بين الناس تتشكل ويزداد أثرها يوما بعد يوم حتى لتكاد الوحدة والانعزال أن تكون سمة من سمات هذا العصر
فمنذُ وقت ليس بالبعيد كان الناس يجتمعون في مجالس أو ديوانيات مشتركة يتجاذبون أطراف الحديث وينثر بعضهم همومه على جلسائه، أما الآن ومع ظهور أجهزة الاتصال الحديثة وتوافرها لدى جميع فئات المجتمعات البشرية، فقد ضربت العزلة بأركانها حتى إن اجتمع الناس جسديا إلا أن كل واحد يغني على ليلاه!
زادت البيوت صمتًا بعد أن دخل كل شخص في عزلته مع جهازه المتنقل بين التواصل والتصفح في صمت لا ينطق إلا عند الضرورة،
أصبح الناس في روتين يومي متكرر، كل صباح يذهبون إلى أعمالهم المعهودة ويؤدون المطلوب منهم من أعمال في حيز التعامل المتكرر، وينتهوا من أعمالهم ليعودون إلى منازلهم ويتكرر المشهد كل يوم بنفس الوتيرة، وأصبحوا يقابلون أهاليهم في المناسبات والأعياد وبعضهم لا يفعل، ويّدَعون بأن الدنيا شغلتهم، وأصبح بين الناس صعوبة في صلة الأرحام وزادت قسوة القلوب،
لا شك أن الانعزال في الأصل سببه نفسي وجاءت إلينا برامج التواصل لتجعل كل شخص منعزل مع نفسه، فأصبح يرى راحته فيما يتابع وفيما يعزله عن البشر من حوله فأخذ من ذلك طريقًا سهلاً للراحة والمتابعة اليومية ،
أتوقع أن يزداد الناس عزلة ويزدادون تباعدًا مع زيادة التكنولوجيا وستكون الأجيال القادمة أكثر عزلة ،
الشعور بالوحدة أمر خطير على الصحة، إذ أن الانعزال عن مخالطة البشر قد يولد ضغوطا نفسية وجسدية لكثير من الناس، على المدى الطويل، كما يمكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل الاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية أو الزهايمر.