بعد رحلة فنية ثريّة تجاوزت الـ 50 عاماً.. رحيل الفنانة التشكيلية “صفية بن زقر”
واكب – جدة — ماهر عبدالوهاب
رحلت مساء أمس رائدة الفن التشكيلي السعودي الفنانة الشهيرة القديرة صفية بن زقر، والتي وافتها المنية بعد مسيرة تشكيلية حافلة وضعت فيها بصمتها المضيئة بالإبداع في مشهدنا الثقافي والفني.
هذا وصلي عليها بعد صلاة الجمعة يوم أمس ١٣ سبتمبر و الموافق ١٠ ربيع الثاني – في مسجد الجفالي، و تم دفنها في مقبرة أمنا حواء.
و سيقام العزاء بمشيئة الله تعالى إبتداءًا من مساء يوم أمس الجمعة و لمدة (٣) أيام
للرجال في منزل بن زقر الكائن في حي العزيزية – طريق المدينة الطالع بجوار لكزس
https://maps.app.goo.gl/ajcKxN69ma9hc15i8?g_st=iw
و للسيدات في دار الأبار الكائن في حي الروضة أمام ممشى التحلية من الساعة ٠٦:٠٠م إلى الساعة ٠٩:٣٠م
https://maps.app.goo.gl/KTuWf9F6cwr8AwCC6?g_st=com.google.maps.preview.copy
والراحلة وضعت لها بصمة خاصة فيها خاصة بعدما عادت إلى السعودية حين إكمال دراستها الثانوية بالقاهرة، تفاجأت باختفاء كثيرٍ من العادات وطرق الحياة التي شاهدتها حين كانت صغيرة، ومن هنا تبلورت رؤيتها الفنية ووجدت الحلقة المفقودة ما بين التراث والثقافة، وعن ذلك تقول: “وجدت هدفاً يُلهمني لرسم وتوثيق العادات والتقاليد خوفاً من اندثارها، وحرصاً من أن يُركن هذا التراث في المخازن”.
دارة صفية بن زقر :
وفي عام 1995 أسست “دارة صفية بن زقر”، بعد رحلة (50) عاماً على طريق الفن التشكيلي، وهي تضم لوحاتها ومقتنياتها الفنيّة، كما تحوي مرسمها ومكتبتها الخاصة. وفي عام 2000 صدر كتابها “رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي”، وفيه أوضحت أهداف الدارة ونشاطاتها بعد رحلة (50) عاماً من العمل المتواصل، والمثابرة من أجل توثيق هذا التراث الغني بشكل جمالي وبنّاء.
وقالت في أحد لقاءاتها الإعلامية مؤخرا” أن هذه الدارة تعتبر إرثها وطلبت من عائلتها أنهم يحافظون عليه، لأنها تعتبره صدقة جارية، فمكتبتها بها مايزيد عن (5) آلاف كتاب أدب وفن عربي وإنجليزي سيستفيد منه الباحثون.
ولطالما كانت الفنانة السعودية صفية بن زقر على اتصال عميقٍ بمسقط رأسها مدينة جدة وموروثها العتيق، وهي التي تحمل سيرة فنية استثنائية تجعلها واحدة من أهم الأسماء الفنية المعاصرة.
وُلدت صفية بن زقر في قلب مدينة جدة القديمة عام 1940، وكأن المدينة العتيقة بمبانيها وقاطنيها قد تسربت إلى روحها مع أنفاسها الأولى، فنشأ بينهما رباط وثيق اشتد قوة مع مرور السنين. وفي أواخر عام 1947 انتقلت مع أهلها إلى القاهرة، لتعود مجدّداً إلى جدة عام 1963، وتجد العديد من التغيّرات؛ إذ بدأ أهل المدينة بالنزوح إلى المنازل المسلّحة وترك عاداتهم المتوارثة، إلى جانب استبدال أزيائهم المميزة بما يساير الموضة الحديثة، ولم يكن في يدها إلّا استرجاع الماضي بريشتها، فبدأت بجدية تامة لإعادة تكوين المدينة بأبنيتها وسكانها، وأنشطتها وأحداثها، وكذلك عاداتها وتقاليدها.
الحركة التشكيلية في السعودية :
تُعدّ صفية من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في السعودية. بدأ مشوارها الفني الطويل بأول معرض لها في عام 1968 حيث أقيم في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة. وهذا المعرض كان تجربة ناجحة خاضتها بمجهودها الخاص في تحضير موقع العرض، حين لم تكن هنالك صالات عرض متخصصة، فبدأت بتجهيز مدرسة البنات الخاصة على مستوى قاعات العرض في الخارج وعلى قدر الإمكانات المتاحة حينذاك.
وبعد النجاح الكبير لمعرضها الأول، توالت معارضها المحلية التي أقامتها في مدينة الرياض وجدة والظهران والجبيل والمدينة المنورة وينبع وأبها، كما نظّمت معارض دولية في كل من باريس وجنيف ولندن، حتى أصبح لها حصيلة 18 معرضاً شخصياً، و6 معارض جماعية، عُرفت صفية من خلالها فنانة التراث السعودي محلياً ودُولياً.
من جيل النساء الأوائل :
وقالت عنها الكاتبة فوزية أبو خالد: كانت صفية بن زقر – دون أن تدري ربما – واحدة من جيل النساء الأوائل، اللواتي استطعن أن تكون لهنّ بصمة مبكرة على أجيال متوالية من بنات هذا الوطن، ليس على مستوى التشكيل وحسب، بل على مستوى “نسوي” إن صح التعبير، وذلك من خلال فتح عيون بنات السبعينات في المجتمع السعوديّ على مثال لحضور المرأة حضورًا “معرفيًّا واجتماعيًّا” متفاعلًا “يحظى بالاعتراف والاحترام” في مجال لم يكن معهودا للنساء من قبل، وهو مجال الفنّ التشكيليّ.
ففي صباح يوم بعيد مدّت صفيّة يدها، وبريشتها الرقيقة استطاعت أن تزحزح جدارًا من أحد جدران المدرسة، وتحل محله نافذة عريضة، يُطلُّ عبرها عدد شاسع من طالبات الثانويّ، وتلميذات المتوسط، والابتدائيّ، بمدينة جدة، على بساتين من اللون، وفلوات من الآفاق الواسعة.
حدث ذلك حين فاجأت صفية بن زقر مجتمعًا لم يكن به صالة واحدة متخصّصة بالفنون التشكيليّة، ولم يعتد إقامة معارض للفنون التشكيليّة إلا فيما ندر، ولنفر محدود من الفنّانين التشكيليّين الرجال، مثل: عبدالحليم رضوي، ومحمد السليم، ويحيى العبدالجبار، وطه صبان، وضياء عزيز ضياء. ثمّ فوزية عبداللطيف (لاحقًا)، بوجودها فنانةً تشكيليّةً لا تريد أن تكتفي برسم لوحاتها وصفها في “صالون” بيتها، كما لا تريد القبول بالخيار المفتوح أمامها بحكم دراستها خارج المملكة، بأن تعرض لوحاتها في الخارج، بل تريد إثبات وجودها الفنّيّ في بلدها. ولا غرو، فقد بدا الأمر واضحًا.